لقد ولت أيام زيارة المكتبة لتصوير صفحات من موسوعة أو كتاب من أجل مشروع دراسي. وجاء زمن الذكاء الاصطناعي في التعليم. ما يطرح التساؤل حول مستقبل التعليم في ظل تطور الإنترنت والروبوتات, وهل نشهد اختفاء الأستاذ في المنظومة الجديدة.
ينموا اليوم أجيال من الأطفال والتكنولوجيا في متناولهم، نعيش في عالم حيث الإنترنت هو المصدر الأساسي للمعلومة والتعليم والترفيه.
وجدت دراسة استقصائية حديثة أن الأطفال في الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا يقضون ما يقرب من خمس ساعات يوميًا في النظر إلى الشاشات، بينما يقضي المراهقون تقريبا سبع ساعات يوميًا أمام الشاشات – وهذا لا يشمل الوقت الذي يقضونه في أداء واجباتهم المدرسية.
كما انخفض عدد الساعات التي يتم قضاؤها في التعلم من السبورات في الفصول الدراسية بشكل كبير منذ بداية جائحة كوفيد_19، والقيود الاجتماعية وعمليات الإغلاق التي أنتجها انتشار الفيروس.
“نأمل أنه بحلول سنة 2030 ، سيتمكن معظم الناس من الوصول بسهولة إلى الرعاية الصحية والتعليم من خلال الوسائل الرقمية “.
غابور ميلي، نائب رئيس الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في Medable ومدير قسم الهندسة سابقًا في sony
يؤثر التقدم السريع في التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (ML) والروبوتات على جميع الصناعات، بما في ذلك التعليم.
إذا كان قطاع التعليم يأمل في الإستفادة من ميزات الذكاء الاصطناعي الكاملة للجميع، فيجب أن ينصب التركيز على مواصلة الكشف عن الجيل القادم للذكاء الاصطناعي في وقت مبكر واستخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية.
يجد المعلمون بالفعل أن العديد من الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فهم منفتحون على تطبيقه في التعليم.
هناك أيضًا حاجة احترافية كبيرة لهذه القدرات. يقول برنارد شرودر، كبير المستثمرين في مجلة فوربس: “يرى مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل في تنبؤاته نموًا قويًا لمهارات ووظائف علوم البيانات, وبأن مجال علم البيانات سينمو بنحو 28% حتى سنة 2026”.
مع زيادة التكنولوجيا، تأتي عمليات دراسة البيانات والتحليلات المتزايدة، إضافة إلى المزيد من الذكاء الاصطناعي. ستؤدي هذه التغييرات في النهاية إلى زيادة الطلب على علماء البيانات ومتخصصي الذكاء الاصطناعي. لهذا على الشباب دراسة هذه المجالات والتخصص فيها, حيث تعتبر هذه المجالات مهن المستقبل وأكثر المهارات طلبا.
دراسة هذه التخصصات في جامعاتنا أو مدارسنا العربية أمر غير ممكن, حيث تفتقر معاهدنا لهذه الشعب والتكوينات, لكن بفضل الانترنت اليوم يمكن تعلم كل شيئ عن بعد, والوصول إلى درجات عالية من الاحتراف مع الحصول على شواهد معترف بها عالميا.
كل ما عليكم هو التمكن من اللغة الإنجليزية التي تعتبر ضرورية من أجل المواكبة والتعلم, بينما نأكد من هذا المنبر أن اللغة الفرنسية لا مستقبل لها وتعتبر لغة فاشلة علميا وتقنيا واقتصاديا. يضطر الفرنسيون اليوم بنفسهم إلى تعلم الإنجليزية من أجل تطوير نفسهم في التكنولوجيات والعلوم الحديثة التي ستقود مستقبل البشرية. بينما نستغرب أن نظامنا التعليمي في المغرب لايزال يعطي قيمة لهذه اللغة الميتة.
دور الذكاء الاصطناعي في التعليم
توقعت شركة Global Market Insights في دراسة لها أن تبلغ القيمة السوقية لمجال تعليم الذكاء الاصطناعي 20 مليار دولار بحلول سنة 2027 ويُعد نمو هذه الصناعة خبرًا جيدًا، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف تقليل العبء على المعلمين في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، يخشى بعض الأساتذة والمعلمين أن تحل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المستقبل محل دور المعلم وأن يختفي الأستاذ حيث لن نعود بحاجة له. لكن لحسن الحظ، لا يبدو أن المعلمين معرضون لخطر استبدالهم بالروبوتات في المستقبل القريب.
في حين أن برامج الذكاء الاصطناعي في التعليم يمكن أن تسهل تلقين الطلاب القراءة والكتابة أو الرياضيات وحتى البرمجة، فإن نقل المهارات الاجتماعية والعاطفية الإنسانية الأكثر تعقيدًا سيظل من تخصص البشر, ويصعب على التكنولوجيا لعب هذا الدور.
استخدام الذكاء الاصطناعي حاليا في التعليم
تغيرت طريقة استخدام التكنولوجيا في المدارس والجامعات بشكل كبير استجابةً لـلتدابير الإحترازية لجائحة كورونا. بدلاً من التدريس أمام فصل دراسي مليء بالطلبة، أجبرت عمليات الإغلاق العديد من المعلمين في جميع أنحاء العالم على التدريس عن بُعد من منازلهم.
في استطلاع للرأي قامت به شركة Promethean Edtech مع المعلمين من مختلف الدرجات, وجدت أن 86% منهم يعتقدون أن الذكاء الإصطناعي يجب أن يكن جزءا مهما في عملية التعليم.
استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم له فوائد وإيجابيات عديدة لكل من الطلبة والأساتذة نذكر منها:
- إمكانية الوصول إلى موارد التعلم من أي مكان وفي أي وقت
- إكمال المهام الشاقة التي تستغرق وقتًا طويلاً مثل التدوين أو وضع الامتحانات ذات الاختيارات المتعددة من خلال أتمتة الذكاء الاصطناعي.
- الإجابة على الأسئلة المترددة من خلال روبوتات المحادثة (chatbots)
- إتاحة روبوتات الدردشة والذكاء الإصطناعي للإجابة عن الأسئلة في أي وقت
- تصميم التعلم وتكييفه وفقًا لأهداف وقدرات كل طالب من خلال برامج مخصصة
أمثلة للذكاء الإصطناعي في التعليم
يتم حاليا بالفعل تطبيق الذكاء الاصطناعي بنجاح في العديد من الحالات التعليمية ويحسن من العملية التعلمية كما يطور أداء الطلبة والمعلمين.
إليكم بعض التطبيقات الفعلية للذكاء الاصطناعي في التعليم:
اكتشاف الفجوات وسدها: يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الفجوات والأخطاء في العروض التقديمية والمواد التعليمية للمعلمين، واقتراح تعديلات عند الحاجة.
التعرف على المشاعر: تؤثر الحالة العاطفية للأطفال على مدى قدرتهم على التركيز والمشاركة والبقاء متحفزين للتعلم. يمكن للمدارس الافتراضية أن تكون فعالة في بيئات التعلم وجهًا لوجه عندما تستخدم تقنية التعرف على المشاعر. بفضل التحفيز، يمكن أيضًا تعديل التعلم ليكون ممتعًا. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد نقاط ضعف ومعاناة التلاميذ ومساعدتهم على تخطيها والتفوق في نهاية المطاف.
الأطفال مع الذكاء الاصطناعي: Nao هو روبوت بشري يتحدث ويتحرك ويعلم الأطفال كل شيء من محو الأمية إلى البرمجة وعلوم الحاسوب. يشرك Nao الأطفال في تعلم مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ، ويوفر مختبر برمجة (ترميز) ممتع للطلبة.
تسمح هذه المقدمة عن مبادئ البرمجة الأساسية للتلاميذ بإرشاد الروبوت وإعطائه أوامر برمجية لأداء مهام محددة، مثل استخدام حركات اليد أو أداء بعض الرقصات الخاصة. بهذه الطريقة، يحصل التلاميذ على فرصة التعرف على إخبار الروبوت والتحكم به برمجيا ليقوم بما يجب القيام به، وبالتالي إعدادهم للمستقبل حيث يعمل الروبوتات والبشر معًا.
تستخدم التطبيقات والمواقع التعليمية التالية قوة الذكاء الاصطناعي لتحسين التعلم لدى التلاميذ والطلبة من جميع الأعمار:
تطبيق :Thinkster Math هو تطبيق تعليمي يمزج بين منهج الرياضيات وأسلوب التدريس المخصص. يستخدم هذا التطبيق الذكاء الإصطناعي و التعلم الآلي “MACHINE LEARNING” لتصور كيفية تفكير المتعلمين أثناء اشتغالهم على حل مسألة في الرياضيات.
يتيح ذلك للمعلم بسرعة اكتشاف طريقة تفكير الطفل ومنطقه الذي يحتاج إلى عمل. ثم يساعده من خلال إعطائه ملاحظات فورية ومخصصة.
Gradescope: هذا النظام الأساسي يجعل التنقيط والتقييم يستغرق وقتًا أقل (يتم تقليل وقت التصحيح والتنقيط بنسبة 70 بالمائة أو أكثر) ويوفر بيانات الطلبة التي يمكن أن تشير إلى نقاط الضعف التي يحتاجون فيها إلى مساعدة إضافية.
Brainly: يمكن للطلبة طرح أسئلة تتعلق بالواجبات المنزلية على هذه المنصة وتلقي إجابات تلقائية تم التحقق منها من طرف زملائهم. يستخدم هذا التطبيق، الذي يساعد الطلبة على التعلم بشكل أسرع، خوارزميات التعلم الآلي لتصفية البريد المزعج spam.
شركة Content Technologies : تستخدم شركة الذكاء الاصطناعي هذه التعلم العميق لإنشاء أدوات تعليمية مخصصة للطلبة. إحدى هذه الأدوات، تسمى “JustTheFacts101″، تسهل هذه الأداة على المدرسين استيراد المناهج إلى محرك CTI. ثم تستخدم الآلة الخوارزميات لإنشاء كتب دراسية ودورات دراسية مخصصة بناءً على المفاهيم الأساسية.
“Cram101” هو مثال آخر على العروض المحسّنة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تحويل أي كتاب مدرسي إلى دليل دراسة ذكي، مما يوفر محتوى صغير الحجم يسهل تعلمه في فترة زمنية قصيرة. حتى أن الأداة تنتج أسئلة متعددة الخيارات QCM، مما يوفر الوقت للطلبة ويساعدهم على التعلم بشكل أكثر فعالية.
Duolingo: مع أكثر من 120 مليون مستخدم حول العالم، يتمتع Duolingo بجمهور عريض يتجاوز ما قد تتحمله أي جامعة أو مدرسة. إنه من أفضل تطبيقات تعلم اللغات عن بعد.
يوفر 19 لغة ويساعد أي شخص يستخدم التطبيق على تعلم لغات أجنبية، وتطوير مهاراته اللغوية بمرور الوقت. مع الاختبارات المتوالية، يتكيف البرنامج مع قدرات كل مستخدم لتقديم تحديات جديدة مخصصة.
كيف سيغير الذكاء الإصطناعي سوق التعليم
كما نعلم, يعتبر التعليم تجارة وسوقا مربحة تدر ملايير الدولارات على الجامعات والمعاهد الخاصة. تتجاوز أرقام التعاملات في هذا المجال أحيانا ميزانيات بعض الدول, وتتخطى أرباحه بعض القطاعات الصناعية والتجارية.
يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بحلول سنة 2025 ، ستتبنى نسبة كبيرة من الشركات تقنيات مثل تعلم الآلة ML. يشجع المنتدى بقوة الحكومات والمؤسسات التعليمية في التركيز على التزايد السريع في التعليم والمهارات ذات الصلة بالذكاء الإصطناعي، مع التركيز على كل من العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والمهارات اللينة “Soft Skills” غير المعرفية لتلبية الحاجة الوشيكة.
أفادت مايكروسوفت كذلك أن التقدم التكنولوجي سيؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سوق الشغل، حيث يمكن أن تحل الأتمتة والروبوتات محل ما يصل إلى %50 من الوظائف الحالية في الولايات المتحدة وحدها.
لذلك فالشباب والمتخرجين الجدد بحاجة الى:
- التعرف على كيفية الاستفادة من التكنولوجيا المتغيرة باستمرار، مثل الذكاء الاصطناعي واستخدامها لصالحهم.
- فهم كيفية العمل مع أشخاص آخرين في فريق لحل المشاكل بشكل فعال
- دراسة مجالات علوم الحاسوب والبرمجة وتحليل البيانات (يمكن الإستعانة بالانترنت).
سيبدأ إعداد الطلبة مبكرا للعمل جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي في المستقبل. نظرًا لأن العديد من الأطفال مرتاحون بالفعل لاستخدام التكنولوجيا الرقمية قبل الالتحاق بالمدرسة، فمن الضروري تعليمهم المهارات اللازمة للازدهار في العمل الرقمي.
القوى العاملة في المستقبل يجب وضع أساساتها في الوقت الحاضر. ونرى بالفعل أن الدول المتقدمة شرعت في هذا الأمر من خلال فتح شعب دراسية في الذكاء الإصطناعي وتعلم الآلة إضافة للعلوم الموازية, للأسف لا نجد هذا في عالمنا العربي, لكن الإنترنت جعل كل شيئ ممكنا ويمكن لأي شخص دراسة أي مجال من منزله, ما يجب أن يكون حاضرا هو العزيمة والإرادة فقط من أجل مواكبة المستقبل والتوجهات التكنولوجيا الحديثة.